کد مطلب:67608 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:491

فی حدود الزمان والمکان











دراسة الحدث فی حدود الزمان والمكان

ونحم فی نطاق فهمنا لموقف النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) فی حجة الوداع فی منی وعرفات، ومنع قریش له من نصب علی (علیه السلام) إماماً لأمة، نسجل النقاط التالیة:

1- یوم عرفة هو یوم عبادة ودعاء وابتهال، وانقطاع إلی الله، سبحانه، ویكون فیه كل واحد من الناس منشغلاً بنفسه، وبمناجاة ربه، لا یتوقع فی موقفه ذاك أی نشاط سیاسی عام، ولا یخطر ذلك علی بال.

فإذا رأی أن النبی الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم) یبادر إلی عمل من هذا القبیل، فلا بد وأن یشعر: أن هناك أمراً بالغ الخطورة، وفائق الأهمیة، فینشد لسماع ذلك الأمر والتعرف علیه، ویلاحق جزئیاته بدقة ووعی، وبانتباه فائق.

2- لماذا فی موسم الحج

وإذا كان موسم الحج هو المناسبة التی یجتمع فیها الناس من مختلف البلاد، علی إختلاف طبقاتهم، وأجناسهم، وأهوائهم، فإن أی حدث متمیز یرونه ویشاهدونه فیه لسوف تنتشر أخباره بواسطتهم علی أوسع نطاق، فكیف إذا كان هذا الحدث یحمل فی طیاته الكثیر من المفاجآت، والعدید من عناصر الإثارة، وفیه من الأهمیة ما یرتقی به إلی مستوی الأحداث المصیریة للدعوة الإسلامیة بأسرها.

3- وجود الرسول أیضاًكما أن وجود الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) فی موسم الحج، لسوف یضفی علی هذه المناسبة المزید من البهجة، والإرتیاح، ولسوف یعطی لها معنی روحیاً أكثر عمقاً، وأكثر شفافیة وسیشعرون بحساسیة زائدة تجاه أی قول وفعل یصدر من جهته (صلی الله علیه وآله وسلم)، وسیكون الدافع لدیهم قویاَ لینقلوا للناس مشاهداتهم، وذكریاتهم فی سفرهم الفرید ذاك.

كما أن الناس الذین یعیشون فی مناطق بعیدة عنه (صلی الله علیه وآله وسلم)، ویشتاقون إلیه، لسوف یلذ لهم سماع تلك الأخبار، وتتبعها بشغف، وبدقة وبإنتباه زائد، لیعرفوا كل ما صدر من نبیهم، من: قول، وفعل، وتوجیه، وسلوك، وأمر، ونهین وتحذیر، وترغیب وما إلی ذلك.

4- الذكریات الغالیة وكل من رافق النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) فی هذا السفر العبادی، لسوف یحتفظ فی ذاكرته بذكریات عزیزة وغالیة علی قلبه، تبقی حیة غضبة فی روحه وفی وجدانه، علی مدی الأیام والشهور، والأعوام والدهور، ما دام أن هذه هی آخر مرة یری فیها رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، أعظم وأكرم، وأغلی رجل وجد، ویوجد علی وجه الأرض.

وحین تتخذ العلاقة بالحدیث بعداً عاطفیاً، یلامس مشاعر الإنسان، وأحاسسیه، فإنها تصبح اكثر رسوخاً وحیویة، وابعد أثراً فی مجال الإلتزام والموقف.

5- الناس أمام مسؤولیاتهم

وبعد أن عرفنا أنه (صلی الله علیه وآله وسلم) قد اختار الزمان، لیكون یوم العبادة والإنقطاع إلی الله سبحانه- یوم عرفة- والمكان، وهو نفس جبل عرفات، ثم اختار الخصوصیات والحالات ذات الطابع الخاص، ككونها أخر حجة للناس معه، حیث قد أخبر الناس:

أن الأجل قد أصبح قریباً.

ثم اختار أسلوب الخطاب الجماهیری، لا خطاب الأفراد والأشخاص، كما هو الحال فی المناسبات العادیة،-إذا عرفنا ذلك، وسواه- فإنه یصبح واضحاً: أنه (صلی الله علیه وآله وسلم) قد أراد أن یضع الأمة امام مسؤولیاتها، لیفهمها: أن تنفیذ هذا الأمر یقع علی عاتقها جمیعاً، فلیس لأفراد أن یعتذروا بأن هذا أمر لا یعنیهم، ولا یقع فی دائرة واجباتهم، كما أنهم لا یمكنهم دعوی الجهل بأبعاده وملابساته، بل الجمیع مطالبون بهذا الواجب، ومسؤولون عنه، ولیس خاصاً بفئة من الناس، لا یتعداها إلی غیرها، وبذلك تكون الحجة قد قامت علی الجمیع، ولم یبق عذر لمعتذر، ولا حیلة لمتطلب حیلة.

6- احتكار القرار وهذه الطریقة فی العمل قد أخرجت القضیة عن احتكار جماعة بعینها، قد یروق لها أن تدعی: أنها وحدها صاحبة الحل والعقد فی هذه المسألة- أخرجها عن ذلك لتصبح قضیة الأمة بأسرها، ومن مسؤولیاتها التی لا بد وأن تطالب، وتطالب بها، فلیس لقریش بقد هذا، ولا لغیرها: أن تحتكر القرار فی أمر الإمامة والخلافة، كما قد حصل ذلك بالفعل.

ولنا أن نعتبر هذا من أهم إنجازات هذا الموقف، وهو ضربة موفقة فی مجال التخطیط لمستقبل الرسالة، وتركیز الفهم الصحیح لمفهوم الإمامة لدی جمیع الأجیال، وعلی مر العصور.

وقد كان لا بد لهذه القضیة من أن تخرج من ید أناس یریدون أن یمارسوا الإقطاعیة السیاسیة والدینیة، علی أسس ومفاهیم جاهلیة، دونما اثارة من علم، ولا دلیل من هدی وإنما من منطلق الأهواء الشیطانیة والأطماع الرخیصة، والأحقاد المقیتة والبغیضة.


7- تساقط الاقنعة ولعل الإنجاز الأهم هنا هو: أنه (صلی الله علیه وآله وسلم) قد استطاع أن یكشف زیف المزیفین، وخداع الماكرین، ویعریهم أمام الناس، حتی عرفهم كل أحد، وبأسلوب یستطیع الناس جمیعاً علی اختلاف مستویاتهم وحالاتهم ودرجاتهم فی الفكر، وفی الوعی، وفی السن، وفی الموقع، وفی غیر ذلك من أمور أن یدركوه ویفهموه... فقد رأی الجمیع: أن هؤلاء الذین یدعون: أنهم یوقرون رسول الله ویتبركون بفضل وضوئه، وببصاقه، وحتی بنخامته، وأنهم یعملون بالتوجیهات الإلهیة التی تقول:

(لا تقدموا بین یدی الله ورسوله).[1] .

(لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبی، ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض).[2] .

(ما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا).[3] .

(أطیعوا الله وأطیعوا الرسول).[4] .

وغیر ذلك من آیات تنظم تعاملهم، وتضع الحدود، وترسم معالم السلوك معه (صلی الله علیه وآله وسلم)، مما یكون الفسق والخروج عن الدین، فی تجاهله وفی تعدیه.

هذا إلی جانب اعترافهم بما له (صلی الله علیه وآله وسلم) من فضل علیهم وأیاد لدیهم، فإنه هو الذی أخرجهم- بفضل الله: من الظلمات الی النور، ومن الضلال إلی الهدی، وأبدلهم الذل بالعز، والشقاء بالسعادة، والنار بالجنان.

مع أنهم یدعون: أنهم قد جاؤا فی هذا الزمان الشریف، إلی هذا المكان المقدس- عرفات- لعبادة الله سبحانه وطلب رضاه، منیبین إلیه سبحانه، لیس لهم فی حطام الدنیا، وزخارفها، مطلب ولا مأرب.

ولكن مع ذلك كله.. فقد رأی الجمیع بأم أعینهم: كیف أن حركة بسیطة منه (صلی الله علیه وآله وسلم) قد أظهرتهم علی حقیقتهم، وكشفت خفی مكرهم، وخادع زیفهم، ورأی كل أحد كیف أنهم: لا یوقرون رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، ویرفعون أصواتهم فوق صوته، ویجهرون له بالقول أكثر من جهر بعضهم لبعضهم، ویعصون أوامره، كل ذلك رغبة فی الدنیا، وزهداً فی الآخرة،وطلباً لحظ الشیطان، وعزوفاً عن الكرامة الإلهیة ورضی الرحمن.

8- وإذا كان هؤلاء لا یتورعون عن معاملة نبیهم بهذا الأسلوب الوقح والقبیح، فهل تراهم یوقرون من هو دونه، فی ظروف وحالات لا تصل إلی حالاتهم معه (صلی الله علیه وآله وسلم)، ولا تدانیها؟!.

وماذا عسی أن یكون موقفهم ممن طفحت قلوبهم بالحقد علیه، ولهم قبله ترات وثارات من قتلهم علی الشرك من اسلافهم، كعلی بن أبی طالب صلوات الله وسلامه علیه.

وهكذا.. فإنه یكون (صلی الله علیه وآله وسلم) قد أفقدهم، وأفقد مؤیدهم كل حجة، وحجب عنهم كل عذر، سوی البغی والإصرار علی الباطل، والجحود للحق، فقد ظهر ما كان خفیاً، وأسفر الصبح لذی عینین، ولم یعد یمكن الإحالة، علی المجهول، بدعوی: أنه یمكن أن یكون قد ظهر لهم ما خفی علینا.

أو أنهم- وهم الأتقیاء الأبرار- لا یمكن أن یخالفوا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، ولا یبطلوا تدبیره، ویخونوا عهده، وهو لما یدفن.

أو أن من غیر المعقول: أن تصدر الخیانة من أكثر الصحابة؟! أو أن یسكتوا بأجمعهم علیها.

وما إلی ذلك من أسالیب یمارسها البعض لخداع السذج والبسطاء ومن لا علم لهم بواقع أولئك الناس، ولا بمواقفهم.

فإن كل هذه الدعاوی عد سقطت، وجمیع تلكم الأعذار قد ظهر زیفها وبطلانها، فمن شاء فلیؤمن، ومن شاء فلیكفر.

9- القرار الالهی الثابت والذی ساهم فی قطع كل عذر، وبوار كل حجة: أن ذلك قد كان منهم فی الأیام الأخیرة من حیاته (صلی الله علیه وآله وسلم)، بحیث لم یبق مجال لدعوی الإنابة والتوبة، أو الندم علی ما صدر منهم، ولا لدعوی تبدل الأوضاع والأحوال، والظروف والمقتضیات، ولا لدعوی تبدل القرار الإلهی النبوی.

10- التهدید والتآمر

هذا.. وقد تقدم: أن هؤلاء أنفسهم حینما رأوا جدیة التهدید الإلهی، قد سكتوا فی المرحلة اللاحقة، حینما قام النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) لیعلن إمامة علی (علیه السلام) فی غدیر خم، فلم نجد منهم أیه بادرة خلاف، إلا فیما ندر من همسات عابرة، لا تكاد تسمع.

وقد بادر هؤلاء أنفسهم الی البیعة له (علیه السلام). وأن كانوا قد أسروا وبیتوا ما لا یرضی الله ورسوله من القول والفعل، والنیة والتخطیط. الذی ظهرت نتائجه بعد وفاة النبی (صلی الله علیه وآله وسلم)، وهو حینما تصدی بعضهم لمنع النبی الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم) من كتابة الكتاب بالوصیة لعلی (علیه السلام) حینما كان النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) علی فراش المرض، فی ما عرف برزیة یوم الخمیس! وقال قائلهم: إن النبی لیهجر!

أو: غلبه الوجع!.[5] .

11- الخیر فی ما وقع وأخیراً.. فإن ما جری فی عرفة، ومنی، وإظهار هؤلاء الناس علی حقیقتهم، وما تبع ذلك من فوائد وعوائد أشیر الیها، قد كان ضروریاً ولازماً، للحفاظ علی مستقبل الدعوة، وبقائها، فقد عرفت الأمة الوفی من المتآمر، والمؤمن الخالص، من غیر الخالص، وفی ذلك النفع الكثیر والخیر العمیم.

(فعسی أن تكرهوا شیئاً، ویجعل الله فیه خیراً كثیراً).[6] .

وصدق الله ورسوله، وخاب من افتری... (فمن نكث فإنما ینكث علی نفسه).[7] .

والحمد لله والصلاة والسلام علی محمد وآله الطاهرین.







    1. سورة الحجرات الآیة 1.
    2. سورة الحجرات الآیة 2.
    3. سورة الحشر الآیة 7.
    4. سورة النساء الآیة 59.
    5. الإیضاح: ص 359، وتذكرة الخواص: 62، وسر العالمین 21، وصحیح البخاری ج 3، ص 60 و ج 4، ص 173 و ج 1، ص 22-21 و ج 2، ص 115، والمصنف للصنعانی ج 6، ص 57 و ج 10، ص 361، وراجع ج 5، ص 438، والإرشاد للمفید ص 107 والبحار ج 22، ص 498 وراجع: الغیبة للنعمانی ص 82-81 وعمدة القاری ج 14 و ص 298 وفتح الباری ج 8، ص 101 و 102 والبدایة والنهایة ج 5، ص 227، والبدء والتاریخ ج 5 ص 59، والملل والنحل ج 1، ص 22، والطبقات الكبری ج 2، ص 244، وتاریخ الأمم والملوك ج 3، ص 193-192، والكامل فی التاریخ ج 2، ص 320، وأنساب الأشراف ج 1، ص 562، وشرح النهج للمعتزلی ج 6، ص 51، وتاریخ الخمیس ج 2، ص 164، وصحیح مسلم ص 75، ومسند أحمد ج 1، ص 355 و ص 324 و ص 325 والسیرة الحلبیة ج 3، ص 344، ونهج الحق: ص 273، والعبر ودیوان المبتدأ والخبر ج 2 قسم 2، ص 62.

      راجع: حق الیقین ج 1، ص 182-181 ودلائل الصدق ج 3 قسم 1، ص 70-63، والصراط المستقیم ج 3 و 6، والمراجعات: 353، والنص والإجتهاد: 163-149.

    6. سورة النساء الآیة 19.
    7. سورة الفتح الآیة 10.